2/08/2013

عاصفة الصبي الجائع !

مساء الورد

/

صباح الثلاثاء خرجت محملة بدعوات أمي قبل أن يظهر النور ، توجهت إلى المشفى و أنفاس القلق و الخوف تتعثر في صدري ، إنها التجربة الأولى من نوعها لما يسمى بالـ ( long case ) أو الحالة الطويلة حيث أبقى برفقة المريض لمد ساعة أتم خلالها أخذ التاريخ المرضي و الفحص و وضع عدة تشخيصات في قائمتي ثم يأتي بعدها اثنان من الأطباء لمناقشتي في التاريخ ، الفحص ، و التشخيص الأقرب للحالة .


وُضعت أمامي عدة أوراق تحمل أرقام – غرف - الحالات التي تم اختيارها من التنويم ، بالإضافة إلى العلامات الحيوية و القياسات الجسدية ، اخترت إحداها ، ثم توجهتُ برفقة الطبيبة المشرفة إلى الحجرة .


وجدتُ الأم مستيقظة ، و الطفل ذو الستة أعوام مستلقٍ على السرير و يبدو بصحة جيدة ولا شيء ملفت سوى الطفح الجلدي الذي يغطي ساقيه .

لم يكن الوجه غريبًا عني لكني لم أتذكر الحالة ، أخبرت أمه أن لدي امتحان و وقتي محدود و أحتاج إلى تعاونها و كانت -وفقها الله - متعاونة و متعاطفة معي جدًا جدًا .


منذ أن بدأتُ بأخذ التاريخ المرضي و هو يتذمر بانزعاج شديد لأنه جائع و الفطور لم يأتي بعد حتى أن أمه شعرت بالحرج و هي تحاول جاهدة أن تصبّره ليصمت و أتمكن من إتمام مهمتي ، توقفت للحظة و أنا أخرج – كيت كات – من جيبي و أخذت الإذن من والدته ثم قدمته له : هذي تصبيره إلين يجي الفطور .

أخذه برضا و بدأ بالتهامه ، فيما أتمت عملي على عجل و أنا أراقب الساعة بين لحظة و أخرى .

صمت البطل لدقائق معدودة ثم عاد لتذمره بصوت مرتفع ، اضطررتُ بعدها إلى الخروج من الحجرة مرتين و أنا أبحث عن الممرضة و أرجوها أن تسأل عن وجبته ليأكلها و يهدأ .

أنهيت التاريخ دون ترتيبه بعد نصف ساعة تقريبًا من دخولي ، و بقي الفحص إلا أن الصبي نهض من سريره و قد بلغ منه الغضب مبلغه و هو يمسك بمعدته و يصيح : جيعاااااااااااااان يا ماما جيعااااااان أبغى الفطوووووووووووووووور .


خرج من الحجرة و أنا ألحق به و أطلب منه أن يهدأ و سيأتي الفطور قريبًا.. بلا فائدة ، و الوقت يمضي و لم يبقَ الكثير على نهاية الساعة المخصصة ، إلى أن أتت الممرضة من الممر و هي تحمل صينية الفطور .

عاد إلى سريره و أنا أتنفس الصعداء و أنتظر بصبر مرهق ، وضعت والدته الإفطار على الطاولة و بمجرد أن كشفت عن الطبق المكون من الجبن و الزيتون حتى انطلقت تلك الصيحة الباكية :لااااااااااااااااااااااااااااااااا ، لاااااااااااااااااااااااا ، أبـــــــــغـــى رز ودجااااااااااااااااج ، ما أبـــــــــــــغى هذااااااااااااااا ما أحـــــــــــبـــــــــــــه .


تقلب على السرير و هو يبكي بعنف و يصرخ على والدته بأن تحمل الطبق و تذهب و تجلب له ما يريد ، و أنا أقف بذهول و والدته تحاول تهدئته .

بعدها حملت صينية الفطور و هي تخبره أنها ستجلب له البطاطا - التي لا توجد في المشفى – عله يهدأ و يسمح لي بفحصه .

خرجتْ من الحجرة ، و التفتُ أنا إليه ، دنوت منه و أنا أحدثه محاولة إقناعه، و عبثًا أتحكم بتوتري : يا بطل، انتا تدرس صح .. و أنا كمان لسا أدرس و لازم أفحصك عشان الدكتور لا يخاصمني .. انتا تبغى تنجح و أنا كمان .. يلا اش رايك تساعدني عشان ربي يساعدك و يخلي ماما تجيب الأكل اللي تحبه ........
سعيت في محاولة إقناعي إلى أن هز رأسه برضا على مــضــض ، فتنفستُ الصعداء و إذ بوالدته تدخل بكيس – شبس – كبير قدمته لها والدة المريض المجاور و التي يبدو أنها سمعت حديثي البائس .


أخذه منها و سارع بفتحه و الأكل منه فيما بدأت أنا بالفحص الذي نسيت معظمه و أنا ألتقط أنفاسي.


أنهيت المطلوب على عجل في الدقائق المتبقية إلى أن أتت الطبيبة المشرفة.

تلى ذلك مناقشتي في التاريخ المرضي و الفحص و التشخيص الذي أتوقعه .

كانت تجربة فريدة جدًا من نوعها و مرهقة نفسيًا لأبعد حد .

/

الطريف في الموضوع أن زميلاتي أخبرنني بأن الاستشاري المسؤول عن الحالة زار المريض في اليوم التالي و حاول جاهدًا أن يفحصه إلا أن الأخير لم يمسح له و هو يصرخ و يصيح رفضًا و قد احمر وجهه !!!


:
دمتم بصحة و فرح

6/18/2012

و كـــــان يومًا في الطوارئ ~

لأول مرة أعيش أحداثًا كتلك التي كنا نشاهدها على التلفاز.. رافقتُ الحالة من بعد دخولها بساعات في قسم الحالات المستقرة و كنا في انتظار نتيجة التحاليل ، ليصل معدل الأكسجين فجأة إلى 35 و في ثوانٍ معدودة نُقلت المريضة سريعًا إلى قسم الحالات الحرجة. الشريط يسير مسرعًا بين نظرات الأهل الفزعة و هتافاتهم المتسائلة، بين الجرس و هو يرن منذرًا بتواجد حالة طارئة، بين تسابق الأطباء و طاقم الطوارئ لإنقاذ الحالة، بين صرخات المريضة الملتاعة و هي تنادي والدها بما تبقى من أنفاسها المقطوعة، بين دموع الأب و هو يجثو على قدميه عند باب الحجرة و القلق العارم المتفجر على ملامح إخوتها، بين اهتمام و سرعة الطبيبة و هي تطلع على نتائج وظائف الكلى ثم نقلها الخبر للمريضة الشابة بضرورة الغسيل و وضع القسطرة، تأن بنبرات البكاء لتخبرها بخوفها فتسعى لطمأنتها و تنبيهها إلى ضيق الوقت و حاجتهم إلى تعاونها، يبدأ الفريق بتجهيز الأدوات و الطبيب عند رأسها، و الطبيبة تشرح الموضوع للإخوة و الأب الذي أبدى موافقته على الفور بصوته المتهدج، و بدأ الجزء الصعب بضرورة استلقائها على ظهرها مما يزيد من اختناقها و لكنه الوضع الأنسب لوضع القسطرة في الوريد الوداجي Jugular vein، و في تلك اللحظات.. بين صرخاتها المكتومة و معدل الاكسجين الذي ينخفض بشكل مخيف و علامات القلق و التركيز على وجه الطبيب و هو يسرع بوضع القسطرة..الأنفاس مكتومة و الأبصار تنتقل بين شاشة المعدلات الحيوية و بين يدي الطبيب التي تتحرك سريعًا لإتمام العمل و بين اتصالات الطبيبة الطارئة من أجل تجهيز المكان لاستقبال المريضة في مركز الكلى.. دقائق كساعات حتى تنفسنا شيئًا من الصعداء و اللمسات الأخيرة تتم لتثبيت القسطرة و أسطوانة الأكسجين توضع أسفل السرير، لم تنتظر الطبيبة سيارة لتقلها إلى المركز القريب بل اختصرت الوقت بنقلها فورًا مع باب الطوارئ لنقطع الشارع و الممرضات يدفعن السرير بسرعة تحت الشمس إلى مبنى الكلى المجاور و من ثم إلى الحجرة المخصصة حيث تم استقبالها سريعًا و بدأ الدم القاني يمر مع تلك الأنابيب و المعدلات الحيوية تتحسن شيئًا فشيئًا......حمدنا الله و الطبيبة تبشر المريضة بتحسن الوضع و آخر لقائنا بها و هي تهتف لشقيقتهاالباكية من خلف قناع الأكسجين بـ: تعالي هنا. لتأتي وتجلس بقربها.

غادرت المكان و الصمت يلجمني و كل ما مضى يمر أمام عيني، كيف تطورت حالتها في غضون دقائق معدودة وكيف سابق الطاقم الزمن من أجل إنقاذها و صيحات الأطباء وسط المعمعة :
 “life saving"
 " the patient will die”
سبحان الله و الحمدلله حمدًا كثيرًا،،
/
من أهم النقاط التي لفتتني فيما ما مضى :

١- اهتمام الطبيب المقيم بالحالة و تنبهه إلى قياس معدل الأكسجين مرة أخرى لينقل المريضة في الوقت المناسب حيث الحالات الحرجة.
٢- الإهمال ، تم تشخيص المريضة منذ سبعة أشهر بقصور في وظائف الكلى و عليه ارتفاع الضغط و أعطيت عددًا من العلاجات ، تحسن الوضع و لكن المريضة أوقفت الأدوية كلها و لم تراجع الطبيب مرة أخرى، و أتت اليوم للطوارئ بعد تجمع كميات كبيرة من السوائل في جسدها و رئتيها.
٣- كونك متدرب و متعاطف مع الحالة لا يعطيك الصلاحية بتاتًا بالإجابة عن تساؤلات أهل المريض فيما يخص الحالة.
/
اللهم اشف مرضانا و مرضى المسلمين، و أعنا على حمل أمانة المهنة كما يجب،،

12/22/2011

تصفق لهم الأيادي مصوّتةً فيسيرون بلا مبالاة إلى منصة الأمانة و على وجوههم تلك الأقنعة المبهرجة ،،
حتى إذا ناداهم الواجب لم يلتفتوا إلا بعد سبات عميق ليضعوا- شيئًا- مما يرونه إحسانَا ! تندفع بطانتهم لتصفق بحرارة و ابتساماتهم و همساتهم ترسم أعتى تقاسيم التعاون على العدوان ،،
ماذا يبتغون من حياتهم ؟ هل ينتظرون أن تنزل عليهم صاعقة من عذاب الله فتهدهم هدًّا ؟؟

10/20/2011

شــــباك العنكــــبوت


نشرتً الموضوع للمرة الأولى باسمي المستعار على منتدى " ألم الإمارات " بتاريخ 07-10-2010
أسميته حينها : قلوب موجوعة :


/


أغمض عينيه و هو يرش الماء على وجهه بعنف ، ثم يعود ليمسحه بذات القوة ، انتقل بعدها ليغسل ذراعه اليمنى على عجل ، و لم يكد ينهي المرة الثالثة حتى هز رأسه بحنق و هو يدفع بكفيه تحت صنبور المياه ليغسلهما بعصبية و الوقت يمضي ، انقبض قلبه بألم و والدته تصرخ من مدخل الصالة المطل على المغاسل : يا لمــــــــــــــجنـــون خلااااااااااااااص قطعت وجهك و انتا بس تعيد الوضوء !! الإمام بيقيم الصلاة و انتا لك ساعه على المغسله !! .
و لوحت بيدها في عصبية و هي تقترب بخطوات بطيئة و صراخها الحاد يدوي في أركان المنزل : تعوذ بالله من الشيطان و بطلك الوسوسه الزايده .. اش تبغى الناس يقولون عنك مجــــــــــــــــــــنون !!!!!!!!!!!!!!.
صك على أسنانه بقهر و هو يواصل لاهثًا إتمام وضوئه و قلبه يوشك على الانفجار من شدة الضيق و الغمَ ، وصل إلى رجله اليسرى و والدته تقف خلفه صائحة : يالمتــــــــخـلف الصلاة قامـــــــــــــــــــت ، لعــــــــاد تعيد وضوئك مره ثانيه و لا عاد ترش المويه على وجهك بقوا كذا ... انتا تبغى تعمي عيونك ؟؟!!!!!!!!!!!!!.
هز رأسه بأسف و صوت المؤذن و هو يقيم الصلاة يتسلل إلى أذنيه ليدفع الدموع إلى عينيه ، ارتدى ثوبه سريعًا ثم فتح الباب الخارجي للمنزل ، تجاوز الدرجات التي تفصله عن الباب المؤدي للشارع و نسمات الهواء تحرك ياقة ثوبه ، و تلك الأشعة الدافئة تسقط على قسمات وجهه ، لامست قدماه أرض الشارع و في عينيه تنعكس صورة الرجال الذي يحثون الخطى للمسجد القريب ، فرت دموعه على وجنتيه و هو يطأطئ برأسه ، و خفقات قلبه العليل و هو يجر خطواته للمسجد تناجي ربه .. رجاءً بالشفاء .

/


رفعت حاجبيها بدهشة وهي تنظر إلى شقيقتها التي استقبلت القبلة و هي ترتدي ثوب الصلاة : سلمى !! .. دحين كم مره قطعتي صلاتك و عدتيها ؟؟ .
زفرت سلمى في حرارة و هي تحكم تغطية شعرها : سلافه خليني فـ حالي .. أنا حره أعيدها زي ما أبغى .
و أردفت بحنق و هي ترفع كفيها لتكبر : انتي أصلاً ما عندك إلا التريقه و الصريخ .
نهضت سلافه من مكانها مسرعة و وقفت أمامها قبل أن تكبر هاتفة : سوسو قلبي .
ثم أردفت بانفعال : اللي تسوينه غلط .. لك ساعه من يوم ما أذن المغرب و انتي على هذا الحال ، قوليلي كيف بتسوين إذا رحتي بيت زوجك .. انت ناسيه إنه زواجك بعد شهر .. تبغينه يقول عنك مجنونه !.
صرخت سلمى بعصبية و هي ترفع سجادتها عن الأرض لتندفع إلى حجرة أخرى : قلتــــــــــــلك خليني فـ حـــــــــــــــــــالييييي!.

/

و تدور عجلة الوسواس من بيت إلى آخر .. قد تكون المشكلة ذاتها و قد تتباين إلى ما هو أعظم مما عرضتُ آنفًا .






/






قابلتُ أمثال هؤلاء ، و تابعت معاناتهم عن قرب ..لأخرج بما سأخطه هنا .


قضيتي ليست للحديث عن المرض و أعراضه ، كلا .. إنما أردتُ أن ألفت الانتباه لدور الأسرة إذا كان أحد أفرادها مبتلىً بهذا الداء العصيب .




هم يعيشون في كمد و هم و ضيق و نكد لا يعلمه إلا الله ، في حاجة ماسة إلى حضن دافئ يحتويهم و يطبطب عليهم ، يخفف عنهم أنياب المرض التي تنهش أجسادهم شيئًا فشيئًا ، يمسك بيدهم ليسارع بإخراجهم من شباك العنكبوت التي بدأت تُنسج من حولهم ببطء و في نيتها أن تخنقهم حتى الموت ، هم في حاجة إلى من يفهم معاناتهم و يصدق كل ما يقولونه و ما يشعرون به .. فقطعًا هم لا يقولون إلا الصدق ، و إن بدا لنا ضربًا من الجنون ! .




عندما تبدأ بوادر المرض عليهم و لجهل من عوائلهم تبدأ السخرية من حالتهم و نعتهم بتلك الأوصاف من الجنون و الغباء ، و ماذا سيقول الناس .. و غيرها من الكلمات التي تطعنهم كشفرات السكاكين .. لماذا ؟؟ .. لأنهم يعانون و يتقلبون على جمر محرق .. لا يشعرون بالرضا عن حالهم و لكن لا قدرة لديهم على الخلاص .. فالمرض يقيد حركتهم و يقيد أفكارهم شيئًا فشيئًا حتى يدمرها و يحيلها إلى جحيم أسود قد يودي بهم إلى الانتحار .






الأهل .. ربما كانوا يودون مساعدتهم و يتألمون لحالهم كتلك الأم في المقطع الأول و لكن لا قدرة لديهم على التعبير أو لجهل منهم لجؤوا إلى ذلك الأسلوب العنيف الذي يزيد الطين بلّه ، و يكتم شكوى أولئك المرضى و رغبتهم في الفضفضة في أعماق قلوبهم الموجوعة خوفًا من السخرية و الصراخ الذي يعذب كيانهم .. ليفضلوا العزلة بعد ذلك و الحديث إلى أنفسهم!.






علينا أن نقف إلى جانبهم و نساندهم بكل ما لدينا ، نشجعهم على أن يقاوموا الوسوسة و يقاوموا و في ذات الوقت نصّبرهم و نذكرهم (( مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاه )) [البخاري: المرضى/باب ما جاء في كفارة المرض 4/2008 (5318)،مسلم: البر والصلة والآداب/باب ثواب المؤمن فيما يصيبه 4/1582 (2573)].

والوسواس يسبب النصب والوصب والهم والحزن والأذى والغم فكيف لا
يكون مكفراً لذنوبك ورافعاً لدرجاتك !!! .. فليستبشر *.


لنجعل خطابنا حانيًا بدل من الصراخ ، نحيطهم بنظرات متفهمة حين يشكون أو يتنهدون أو .. يبكون ، لنربت عليهم و نردد : اصبر فالله مع الصابرين ، لا تبكي .. نحن إلى جانبك .


/


ليس بالضرورة أن تكون الخطوة الأولى لعلاجهم هي الذهاب إلى الطبيب النفسي ، فهناك مواقع كثيرة مختصة ترسم خطة ممتازة لعلاجهم دون استخدام عقار واحد ، و لكن المريض سيكون دومًا في حاجة إلى التشجيع و المساندة لينجح .




.


رسالتي إلى من تربطه علاقة بهم ، هم في أمس الحاجة لكم و إن لم ينطقوا .. فلا تتركوهم .


.
----------------------------------------------------------------------------




* موقع مستشارك الطبي

و أثرت الشجون .. يا دكتور باسم !


 قبل أيام .. قرأتُ مقالاً للدكتور " باسم كردي " بعنوان

"اليوم .. أثبتُ فشلي كطبيب "


 http://bassemkurdi.com/2011/10/15/tabeeb-fashel/

/

جعلتني كلماته أقف مع نفسي و أتساءل :

كم حولنا من أولئك - الأعزاء - الذي يقتربون من براثن الخطر و نحن صامتون ؟؟

نكتفي فقط بنصيحة أو اثنتين و عندما نُقابل بابتسامتهم الحبيبة و هم يحركون أكفهم قائلين : ادعيلي !

نظن أننا قد بذلنا ما بوسعنا .. و أن عنادهم و لا مبالاتهم ستقف حائلاً أمام أخذ كلماتنا على محمل الجدية !

ينتشر الضجر -من المحاولة- سريعًا بين أضلعنا .. لنكتفي بنظرات معاتبة لهم في كل مرة نراهم فيها ..

يدخنون ..

لا يتخلون عن - الشيشه - أو - المعسل -

يسرفون في استخدام الملح ،  الزيوت ..

لا يلتزمون بمواعيد الدواء ،أو مراجعة الطبيب كما هو مطلوب ..

أو تدارك المرض قبل استفحاله و هيمنة مضاعفاته !

:

نعم !

قالها دكتور باسم

ما  فائدة ما نفعل .. .من دراسة و بحوث و توعية للناس .. إن عجزنا عن الأخذ بيد من نحب ؟

إن عجزنا عن توعيهتم كما يجب .. الإصرار عليهم خوفًا و حنانًا .. توضيح الصورة الكاملة لهم .. بكل جدية و صدق ؟؟!
:

لربما .. أن بعدهم عن المجال الصحي يلعب دورًا كبيرًا ؟!..

أعني أنهم لا يرون أولئك المرضى مثلنا .. لم يدرسوا خطورة تلك العوامل على صحتهم .. لم يروا الأدلة .. يشاهدوا الصور .. معاناة أولئك على السرر البيضاء .. صيحات الندم .. ليتنا و ليتنا !!

لربما ..

أن أسلوب التوعية المعتاد .. لم يعد يجدي نفعًا ..

لربما .. قد ملّوا من تلك المنشوارت و البرامج التي تعيد ذات الحديث مرارًا و تكرارًا .. دون إيصال الرسالة المطلوبة إلى أعـــمــاقهم !!


/

مالسبيل .. إلى جانب دعواتٍ لهم في ظهر الغيب !

:

إن أبى عنادهم أن يتحطم على صخرة الإصرار  !!

إن اشتعلت براكين غضبهم من التكرار 

و هاجت صيحاتهم باستنكار !

/


طريق شاق .. يتطلب سعيًا حثيثًا يعانق الصبر !

قلتها يا دكتور باسم :

هم يأتمنونا على أغلى ما يملكون !

:

يا رب

لا تُرنا فيهم بأسًا

و أعنا على الأخذ بأيديهم إلى الشط الآمن

:

10/13/2011

" مريـــض على الطلـــب "


:
بدأت الأقلام تحكي عن واقعٍ غدونا نعيشه بين تلك الأروقة البيضاء .. و هو ما ينبغي ..


أن تُخلد رؤيتنا - الخدّيجة - لعالم تطؤه أقدامنا بحق .. للمرة الأولى !


رؤية ، لا تفارق خلاصة نقية من المفاهيم و القيم التي نسعى لتقنينها في خضم اختلاف الجنسيات ، الثقافات ، الخبرات ، و العقد النفسية !


قلتُ تخلد .. أملاً في أن نعود إليها يومًا .. و يا تُرى ؟


هل ستعانق الشفتين ابتسامة الحنين .. و رضى الضمير عن تطبيق مُحصلة تلك الخلاصة ،،


أم ابتسامة سخرية من تلك البراءة و همسة فِكر :أسلوب الممارسة أسهل دون تلك التعقيدات و الحساسية المفرطة !


:




في بداية السنوات الإكلينيكية يتم التأكيد مرارًا و تكرارًا على أهمية اتقان مهارة - التاريخ المرضي - .. و أعني بذلك تقمّص دور المحقق كونان في النظرة - الحذقة - ، طرح الأسئلة ، و الربط بين كل الإجابات، و الملاحظات للوصول لأقرب التشخيصات قبل الشروع في الفحص الفيزيائي .


الموضوع يبدو ممتعًا و بحاجة إلى تدريب مستمر .. و من السهولة بمكان أن يتم ذلك هنا في المسشتفى ..


هكذا كنتُ أظن !


إلى اللحظة التي بدأنا فيها الممارسة الحقيقية . ..


لتحترق ورقة تلك - السهولة - .. و يتناثر رمادها في وادٍ سحيق !!




/


نشد العزم من الصباح الباكر ، ربما قبل الدوام بساعتين أو ثلاث .. آملين في أن نحصل على تاريخ كامل أو اثنين كأقصى حد،و ضعوا ستين خطًا تحت كلمة - كامل -و التي لم أفرح بتحقيقها حتى الآن .. !!


نبدأ باسم الله .. نصعد إلى دور الباطنة .. و هو محطتنا الأولى .. ونفتح الـ - admission book - تجول أعيننا بشغف بين - الأعمار - و نتخير الأعمار الصغيرة التي تمكننا من التحدث إلى المريض شخصيًا لا إلى مرافقيه ، يبدو لنا الأمر أسهل هكذا .. كبداية .. و لكن لن تكون هذه طبيعة الممارسة الطبية لاحقًا أعني - مريض على الطلب - ! .. إذًا الأمر ليس مفيدًا على المدى الطويل .


/


نرصد أرقام الحجرات و الأسرة على الورقة البيضاء الحافلة بالأسئلة التي نأمل بطرحها .. و نبدأ رحلة التجوال بين الأروقة حيث الهدوء التام .. فلازلنا في بداية اليوم !




لتأتينا المفاجأة على طبق من زمرد !




كلهم




نــــــــــــائــمـــون !!




ننتقل من حجرة لأخرى .. و من دور لآخر .. و الحال على ما هو عليه !! << بالطبع ليس دائًما .


و عقارب الساعة تطير مسرعةً لتتوقف عند الـ 10 ! حيث بداية الحلقات التدريبية .. فنصعد إلى الدور الرابع .. بخفي حنين .. و علامات الإحباط تعلو وجوهنا .. و بعد زفرة حارة .. تعود آمالنا لتنبض بالحماس .. لما بعد الثالثة!




-الحديث يشمل من يتظاهرون بالنوم عند سماع خطواتنا تقترب من الباب-


/




كانت الفرصة متاحة يومًا .. ما بين الساعه 12 و الواحدة .. لنجدهم منشغلين بتناول الغداء !!


و إن استطعنا اللحاق بهم قبل رفع الغطاء عن الأطباق .. سألناهم بأدب : ممكن نسألك أو بتتغدي؟ .


فتأتي الإجابة فورًا : بتــــغدى .


نتراجع بحرج و ضيق الوقت يخنقنا ..


/


و ما بعد الساعة الثالثة .. وبالتحديد قبل انقضاض ساعات الزيارة ..


إن حالفنا الحظ للقاء أحدهم ..


ندخل بابتسامة عريضة و نهتف : السلام عليكم ..


فيأتي الرد : و عليكم السلام


.. تـــخــفــــق القلوب فرحًا !! .. : إحنا طالبات سنه رابعه ، إذا تسمحيلنا نسألك عن حالتك ؟؟


- لحــــظة صمـــت-


نتابع فيها - هـــز الرأس - نفيًا و تلك الشفتان تهتفان بصوت بالكاد نسمعه : ما في كلام أربي !!


.أو .. تأتينا الإجابة مباشرة و بإصرار تام : مـــــافي سؤال !


أي .. لا تفكري أبدًا بطرح الأسئلة !!


:


أو


نلاحظ أمارات الألم أو الضيق على وجوههم .. فنسألهم مشفقين : تعبانه أو نقدر نسألك ؟.


فتهمس .. بالتعب !


/


و حالما حاصرنا اليأس .. قبضنا أكفنا و كسرنا القاعدة .. انــــــــــطلقنا لطاعن في السن ،لا قدرة له على الحديث ، فتكفل مرافقاه بالإجابة إما بمعلومات ناقصة أو هز للكتفين دلالة على عدم المعرفة .. أو نظرات تضجر و تأفف يحرق الشفتين!
لتمتلأ ورقة التاريخ المرضي .. بأطنان من علامات الاستفهام !!


/


هذا عوضًا عن بعض الحالات التي نجد السرير فيها .. خاليًا !


/
..


و في ساعات الزيارة .. نتحرج من الدخول .. فهذه فرصتهم للقاء أحبابهم !


و نكره أن نقطعها .. !




/




أتساءل ..


هل نمضي على ما نحن عليه ..


بمحصلة قليلة من الإنجازات ..


أم ينبغي أن نتحلى بمزيد من الجرأة فنلح في الطلب لنصل إلى ما نريد .. أن نترك الخجل و العواطف جانبًا ..


هل يحق لنا ..


أن نوقظهم من النوم ؟؟


؟؟ أو نأخذ ذلك التاريخ الطويل أثناء تناول الطعام .. أو موعد الزيارة


أو التقاط الإجابات بإصرار رغم ذاك الصوت المعتصر من شدة الألم ؟؟!!


هل يمكننا ذلك في أثناء فترة التدريب هذه .. ؟؟


/




على الجانب الآخر ..


" الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى "


الصحة من أعظم النعم التي نرفل فيها ..


و المرض إرهاق نفسي و عضوي لا يُطاق ..


فما بالنا بحالهم .. تحت وطأة المرض و لهيب المعاناة .. و أكوام الأسئلة التي تُطرح عليهم من عشرات الطلبة ! ..


/


إذًا ,, هي معاناة على الجانبين ،،


:


/


لم أزل أذكر  :


نقل عن أبقراط قوله: [أي امرئ أعطاه الله علماً يشفي به المرضى وحباه بذلك، فبلغ من قساوة قلبه ألا ينصحهم ولا يشفق عليهم إنه لبعيد من كل خير بعيد من الطب] كتاب التشويق الطبي: 24 .