10/20/2011

شــــباك العنكــــبوت


نشرتً الموضوع للمرة الأولى باسمي المستعار على منتدى " ألم الإمارات " بتاريخ 07-10-2010
أسميته حينها : قلوب موجوعة :


/


أغمض عينيه و هو يرش الماء على وجهه بعنف ، ثم يعود ليمسحه بذات القوة ، انتقل بعدها ليغسل ذراعه اليمنى على عجل ، و لم يكد ينهي المرة الثالثة حتى هز رأسه بحنق و هو يدفع بكفيه تحت صنبور المياه ليغسلهما بعصبية و الوقت يمضي ، انقبض قلبه بألم و والدته تصرخ من مدخل الصالة المطل على المغاسل : يا لمــــــــــــــجنـــون خلااااااااااااااص قطعت وجهك و انتا بس تعيد الوضوء !! الإمام بيقيم الصلاة و انتا لك ساعه على المغسله !! .
و لوحت بيدها في عصبية و هي تقترب بخطوات بطيئة و صراخها الحاد يدوي في أركان المنزل : تعوذ بالله من الشيطان و بطلك الوسوسه الزايده .. اش تبغى الناس يقولون عنك مجــــــــــــــــــــنون !!!!!!!!!!!!!!.
صك على أسنانه بقهر و هو يواصل لاهثًا إتمام وضوئه و قلبه يوشك على الانفجار من شدة الضيق و الغمَ ، وصل إلى رجله اليسرى و والدته تقف خلفه صائحة : يالمتــــــــخـلف الصلاة قامـــــــــــــــــــت ، لعــــــــاد تعيد وضوئك مره ثانيه و لا عاد ترش المويه على وجهك بقوا كذا ... انتا تبغى تعمي عيونك ؟؟!!!!!!!!!!!!!.
هز رأسه بأسف و صوت المؤذن و هو يقيم الصلاة يتسلل إلى أذنيه ليدفع الدموع إلى عينيه ، ارتدى ثوبه سريعًا ثم فتح الباب الخارجي للمنزل ، تجاوز الدرجات التي تفصله عن الباب المؤدي للشارع و نسمات الهواء تحرك ياقة ثوبه ، و تلك الأشعة الدافئة تسقط على قسمات وجهه ، لامست قدماه أرض الشارع و في عينيه تنعكس صورة الرجال الذي يحثون الخطى للمسجد القريب ، فرت دموعه على وجنتيه و هو يطأطئ برأسه ، و خفقات قلبه العليل و هو يجر خطواته للمسجد تناجي ربه .. رجاءً بالشفاء .

/


رفعت حاجبيها بدهشة وهي تنظر إلى شقيقتها التي استقبلت القبلة و هي ترتدي ثوب الصلاة : سلمى !! .. دحين كم مره قطعتي صلاتك و عدتيها ؟؟ .
زفرت سلمى في حرارة و هي تحكم تغطية شعرها : سلافه خليني فـ حالي .. أنا حره أعيدها زي ما أبغى .
و أردفت بحنق و هي ترفع كفيها لتكبر : انتي أصلاً ما عندك إلا التريقه و الصريخ .
نهضت سلافه من مكانها مسرعة و وقفت أمامها قبل أن تكبر هاتفة : سوسو قلبي .
ثم أردفت بانفعال : اللي تسوينه غلط .. لك ساعه من يوم ما أذن المغرب و انتي على هذا الحال ، قوليلي كيف بتسوين إذا رحتي بيت زوجك .. انت ناسيه إنه زواجك بعد شهر .. تبغينه يقول عنك مجنونه !.
صرخت سلمى بعصبية و هي ترفع سجادتها عن الأرض لتندفع إلى حجرة أخرى : قلتــــــــــــلك خليني فـ حـــــــــــــــــــالييييي!.

/

و تدور عجلة الوسواس من بيت إلى آخر .. قد تكون المشكلة ذاتها و قد تتباين إلى ما هو أعظم مما عرضتُ آنفًا .






/






قابلتُ أمثال هؤلاء ، و تابعت معاناتهم عن قرب ..لأخرج بما سأخطه هنا .


قضيتي ليست للحديث عن المرض و أعراضه ، كلا .. إنما أردتُ أن ألفت الانتباه لدور الأسرة إذا كان أحد أفرادها مبتلىً بهذا الداء العصيب .




هم يعيشون في كمد و هم و ضيق و نكد لا يعلمه إلا الله ، في حاجة ماسة إلى حضن دافئ يحتويهم و يطبطب عليهم ، يخفف عنهم أنياب المرض التي تنهش أجسادهم شيئًا فشيئًا ، يمسك بيدهم ليسارع بإخراجهم من شباك العنكبوت التي بدأت تُنسج من حولهم ببطء و في نيتها أن تخنقهم حتى الموت ، هم في حاجة إلى من يفهم معاناتهم و يصدق كل ما يقولونه و ما يشعرون به .. فقطعًا هم لا يقولون إلا الصدق ، و إن بدا لنا ضربًا من الجنون ! .




عندما تبدأ بوادر المرض عليهم و لجهل من عوائلهم تبدأ السخرية من حالتهم و نعتهم بتلك الأوصاف من الجنون و الغباء ، و ماذا سيقول الناس .. و غيرها من الكلمات التي تطعنهم كشفرات السكاكين .. لماذا ؟؟ .. لأنهم يعانون و يتقلبون على جمر محرق .. لا يشعرون بالرضا عن حالهم و لكن لا قدرة لديهم على الخلاص .. فالمرض يقيد حركتهم و يقيد أفكارهم شيئًا فشيئًا حتى يدمرها و يحيلها إلى جحيم أسود قد يودي بهم إلى الانتحار .






الأهل .. ربما كانوا يودون مساعدتهم و يتألمون لحالهم كتلك الأم في المقطع الأول و لكن لا قدرة لديهم على التعبير أو لجهل منهم لجؤوا إلى ذلك الأسلوب العنيف الذي يزيد الطين بلّه ، و يكتم شكوى أولئك المرضى و رغبتهم في الفضفضة في أعماق قلوبهم الموجوعة خوفًا من السخرية و الصراخ الذي يعذب كيانهم .. ليفضلوا العزلة بعد ذلك و الحديث إلى أنفسهم!.






علينا أن نقف إلى جانبهم و نساندهم بكل ما لدينا ، نشجعهم على أن يقاوموا الوسوسة و يقاوموا و في ذات الوقت نصّبرهم و نذكرهم (( مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاه )) [البخاري: المرضى/باب ما جاء في كفارة المرض 4/2008 (5318)،مسلم: البر والصلة والآداب/باب ثواب المؤمن فيما يصيبه 4/1582 (2573)].

والوسواس يسبب النصب والوصب والهم والحزن والأذى والغم فكيف لا
يكون مكفراً لذنوبك ورافعاً لدرجاتك !!! .. فليستبشر *.


لنجعل خطابنا حانيًا بدل من الصراخ ، نحيطهم بنظرات متفهمة حين يشكون أو يتنهدون أو .. يبكون ، لنربت عليهم و نردد : اصبر فالله مع الصابرين ، لا تبكي .. نحن إلى جانبك .


/


ليس بالضرورة أن تكون الخطوة الأولى لعلاجهم هي الذهاب إلى الطبيب النفسي ، فهناك مواقع كثيرة مختصة ترسم خطة ممتازة لعلاجهم دون استخدام عقار واحد ، و لكن المريض سيكون دومًا في حاجة إلى التشجيع و المساندة لينجح .




.


رسالتي إلى من تربطه علاقة بهم ، هم في أمس الحاجة لكم و إن لم ينطقوا .. فلا تتركوهم .


.
----------------------------------------------------------------------------




* موقع مستشارك الطبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق