2/08/2013

عاصفة الصبي الجائع !

مساء الورد

/

صباح الثلاثاء خرجت محملة بدعوات أمي قبل أن يظهر النور ، توجهت إلى المشفى و أنفاس القلق و الخوف تتعثر في صدري ، إنها التجربة الأولى من نوعها لما يسمى بالـ ( long case ) أو الحالة الطويلة حيث أبقى برفقة المريض لمد ساعة أتم خلالها أخذ التاريخ المرضي و الفحص و وضع عدة تشخيصات في قائمتي ثم يأتي بعدها اثنان من الأطباء لمناقشتي في التاريخ ، الفحص ، و التشخيص الأقرب للحالة .


وُضعت أمامي عدة أوراق تحمل أرقام – غرف - الحالات التي تم اختيارها من التنويم ، بالإضافة إلى العلامات الحيوية و القياسات الجسدية ، اخترت إحداها ، ثم توجهتُ برفقة الطبيبة المشرفة إلى الحجرة .


وجدتُ الأم مستيقظة ، و الطفل ذو الستة أعوام مستلقٍ على السرير و يبدو بصحة جيدة ولا شيء ملفت سوى الطفح الجلدي الذي يغطي ساقيه .

لم يكن الوجه غريبًا عني لكني لم أتذكر الحالة ، أخبرت أمه أن لدي امتحان و وقتي محدود و أحتاج إلى تعاونها و كانت -وفقها الله - متعاونة و متعاطفة معي جدًا جدًا .


منذ أن بدأتُ بأخذ التاريخ المرضي و هو يتذمر بانزعاج شديد لأنه جائع و الفطور لم يأتي بعد حتى أن أمه شعرت بالحرج و هي تحاول جاهدة أن تصبّره ليصمت و أتمكن من إتمام مهمتي ، توقفت للحظة و أنا أخرج – كيت كات – من جيبي و أخذت الإذن من والدته ثم قدمته له : هذي تصبيره إلين يجي الفطور .

أخذه برضا و بدأ بالتهامه ، فيما أتمت عملي على عجل و أنا أراقب الساعة بين لحظة و أخرى .

صمت البطل لدقائق معدودة ثم عاد لتذمره بصوت مرتفع ، اضطررتُ بعدها إلى الخروج من الحجرة مرتين و أنا أبحث عن الممرضة و أرجوها أن تسأل عن وجبته ليأكلها و يهدأ .

أنهيت التاريخ دون ترتيبه بعد نصف ساعة تقريبًا من دخولي ، و بقي الفحص إلا أن الصبي نهض من سريره و قد بلغ منه الغضب مبلغه و هو يمسك بمعدته و يصيح : جيعاااااااااااااان يا ماما جيعااااااان أبغى الفطوووووووووووووووور .


خرج من الحجرة و أنا ألحق به و أطلب منه أن يهدأ و سيأتي الفطور قريبًا.. بلا فائدة ، و الوقت يمضي و لم يبقَ الكثير على نهاية الساعة المخصصة ، إلى أن أتت الممرضة من الممر و هي تحمل صينية الفطور .

عاد إلى سريره و أنا أتنفس الصعداء و أنتظر بصبر مرهق ، وضعت والدته الإفطار على الطاولة و بمجرد أن كشفت عن الطبق المكون من الجبن و الزيتون حتى انطلقت تلك الصيحة الباكية :لااااااااااااااااااااااااااااااااا ، لاااااااااااااااااااااااا ، أبـــــــــغـــى رز ودجااااااااااااااااج ، ما أبـــــــــــــغى هذااااااااااااااا ما أحـــــــــــبـــــــــــــه .


تقلب على السرير و هو يبكي بعنف و يصرخ على والدته بأن تحمل الطبق و تذهب و تجلب له ما يريد ، و أنا أقف بذهول و والدته تحاول تهدئته .

بعدها حملت صينية الفطور و هي تخبره أنها ستجلب له البطاطا - التي لا توجد في المشفى – عله يهدأ و يسمح لي بفحصه .

خرجتْ من الحجرة ، و التفتُ أنا إليه ، دنوت منه و أنا أحدثه محاولة إقناعه، و عبثًا أتحكم بتوتري : يا بطل، انتا تدرس صح .. و أنا كمان لسا أدرس و لازم أفحصك عشان الدكتور لا يخاصمني .. انتا تبغى تنجح و أنا كمان .. يلا اش رايك تساعدني عشان ربي يساعدك و يخلي ماما تجيب الأكل اللي تحبه ........
سعيت في محاولة إقناعي إلى أن هز رأسه برضا على مــضــض ، فتنفستُ الصعداء و إذ بوالدته تدخل بكيس – شبس – كبير قدمته لها والدة المريض المجاور و التي يبدو أنها سمعت حديثي البائس .


أخذه منها و سارع بفتحه و الأكل منه فيما بدأت أنا بالفحص الذي نسيت معظمه و أنا ألتقط أنفاسي.


أنهيت المطلوب على عجل في الدقائق المتبقية إلى أن أتت الطبيبة المشرفة.

تلى ذلك مناقشتي في التاريخ المرضي و الفحص و التشخيص الذي أتوقعه .

كانت تجربة فريدة جدًا من نوعها و مرهقة نفسيًا لأبعد حد .

/

الطريف في الموضوع أن زميلاتي أخبرنني بأن الاستشاري المسؤول عن الحالة زار المريض في اليوم التالي و حاول جاهدًا أن يفحصه إلا أن الأخير لم يمسح له و هو يصرخ و يصيح رفضًا و قد احمر وجهه !!!


:
دمتم بصحة و فرح